يوليا أرونسون

“مرثاة عن أمهات لم نكنهن” خروج من التوق إلى الرّقة المثالية في العلاقة الأولى بين الأم والرضيع – ديادة سيمبيوتية أسطورية – وتأملٌ في الفجوة بينها وبين الواقع الممكن، الناقص، المجتزأ، المؤلم أحيانًا. الفكرة المثاليّة للأمومة مقابل الواقع الفعلي.

العلاقة الأولى مع الرضيع تحمل في طياتها أملًا خفيًّا بإصلاح التعلّق الأولي للأم في ماضيها. الانفصال عن تلك الثنائية الأصليّة بين الأم والرضيع يعني أيضًا القبول بأن بعض الأجزاء لن تُشفى.

عند الانتهاء مرحلة الطفولة المبكرة، لا بد من الانفصال أيضًا عن فنتازيا التماهي الكلي. إنه فطام عمّا لم يتحقق، سواء في تجربة الطفل أو الأم- وفطام عن القدرة على تحقيقه.

في مركز العرض يقع هيكل معدني، كان في الماضي يحتوي على حليب الأم، الذي تقطر حتّى نفذ. ما نراه هو بقايا شواهد مصوّرة لعمليّة التحوّل. 

سلسلة ” طبعات الحليب” توثق آثار المادة التي جفّت على سطح المعدن _ أشبه ببقايا أثرية لما كان ممكن أن يكون. البصمات الرقيقة، التي تبدو ترسبات ملح، هي شهادة على حضور كان مؤقتًا، وعلى علاقة لم تستطع أن تبقى.

سلسلة رسومات الرصاص تعرض لقطات مقرّبة لنقطة الاتصال بين الفم والحلمة، لكن هذا التقريب يخلق حالة من التغريب – إذ يتحوّل المشهد الحميمي إلى منظر بعيد، شبه تجريدي، عصيّ على الإمساك. المثالية في العلاقة التماهية تظهر فقط كلحظة، كمقطع؛ صورة تسكن الوعي لكنها تفلت من الواقع.

أعمال الصوت تعزز التوتر بين المثال والواقع: أصوات مضخة الحليب تتحوّل إلى ضجيج صناعي، تكراري، شبه آلي، مقابل أصوات التنقيط الرقيقة التي بالكاد تُسمع.

المعرض لا يسعى إلى استعادة ما لم يتحقق، بل إلى وداعه. إنه يوفّر حيّزًا للحداد، وطقسًا فنيًا يمكن من خلاله وداع الأمومة المثالية التي لم تكن، التي تلمع للحظة لكنها لا تكتمل أبدًا – والبقاء مع ما هو موجود: واقع مجروح لكنه حيّ، تترك فيه الحُلم بصمته الرقيقة من الأمل.