شهد زعبي

البداية تكون من اللقاء، الذاكرة، مع حركة داخليّة تطلب أن تنبثق نحو الخارج. الزجاج ليس مجرّد خامٍ، بل وسيلة للإصغاء والاكتشاف من خلاله أبحث عن عمليات التفكيك والتحوّل. العملية نفسها تحتل موقعًا مركزيًا، لا تقل أهمية عن النتيجة النهائية.

الزجاج كمادة، يردد داخلي توترًا دائمًا، فهو يحمي ويمنع لكنّحه في الوقت ذاته شفاف، هش، كاشف. إنّه يشكل حاجزًا رقيقًا، كنافذة أو شاشة، يفصل بين الداخل والخارج، لكنه يتيح أيضًا النظر إلى الداخل. هذا التناقض هو ما يتيح لي التعامل مع الزجاج كاستعارة لما نحاول إخفاءه، ما نرغب في إبقائه مغلقًا، ومع ذلك، يطلب أن يُرى. الزجاج يحفظ، لكنه أيضًا يفضح، يلفّ ما هو هش، ويشير إليه في الوقت ذاته. 

من خلال أفعال النقش، والكسر، والحرق، والنسخ، تنشأ لغة مادية حيّة وديناميكية. كل فعل يولّد رد فعل، المادة تتغير، تتمزق، وتُبنى من جديد.  من البقايا، و المفاجئ من أثر السُخام، ومن رذاذ النار تظهر صور جديدة، طبقات، إشارات. أصغي للحركة التي تقترحها المادة، أسمح للبقعة أن تقود، وأتيح للأشكال أن تولد من الباقي.

الكسر ليس نهاية، بل فتحة، نافذة للتأمل العميق إلى الداخل. الشق هو نقطة اختراق، حيث لم يعد للمادة أن تُخفي، بل أن تكشف. حتى حين أعمل على الورق، أو القماش، أو الزيت، أبحث عن تلك اللحظة تحديدًا، اللحظة التي يطلب فيها ما تحت السطح أن يطفو، أن يُقال، أن يُنكشف. العملية الإبداعية بحد ذاتها هي الفعل الفني، بحث مفتوح في الزمن، والاحتكاك، والحرارة، والذاكرة. 

 أنا أبحث عن تلك اللحظات التي يولد فيها شيء جديد مما قد تعرّض للأذى. كما في قراءة الفنجان، ألاحق العلامات التي تظهر في المادة، أتعقّب الحركات، الآثار، والذكريات البصرية. طبقة بعد طبقة، تتكوّن أعمالي، كعملية ونتيجة في آن، مثل رسومات كهفية تنبثق من تلامس مباشر مع الحياة، مع ما تم الاحتفاظ به، ومع ما يُصرّ على أن يظهر.